بقلم المصطفى أجبيرخ
4– إشكالية العنف في المؤسسات التعليمية:
إنها إشكالية تستحق دراسة أو بحثا دقيقا و علميا لملامسته و تحديد أشكاله و العوامل المغذية له و انعكاساته على العملية التربوية في مجملها. لكن هذا لا يمنع من القول أن ظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية تزداد تفشيا ، و هي ذات مظاهر و أوجه متعددة و متداخلة و تختلف حدتها من مؤسسة إلى أخرى. إنها تعكس طبيعة العلاقة التي تربط المتعلم بمؤسسته؛ إذ يمكن طرح تساؤلات من قبيل: إلى أي حد يحب المتعلم مدرسته ؟ هل يحس بالأمان و الاطمئنان وهو بداخلها ؟ هل يمثل فضاءها امتدادا لفضائه الشخصي ؟ و نفس الأسئلة يمكن أن تطرح حتى بالنسبة للعاملين بها من أساتذة و حراس عامون و مدراء و غيرهم.
إن التصريح بأن "العنف مرفوض بجميع أشكاله، و أن ترهيب المتعلم مرفوض، و أن الوزارة اتخذت الإجراءات الصارمة في كل الحالات التي توصلت بها في هذا الشأن "؛ إنه لا ينظر إلى الإشكالية في شموليتها و يعكس قصورا في تصور الوزارة لهذه الظاهرة و ضعف الآليات - إن لم نقل غياب – التربوية الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة؛ كما أنه اختزال لها.
فقد يكون المتعلم هو الذي يمارس عليه العنف، كما قد يمارسه هو ضد المؤسسة و العاملين بها، ويتداخل الاثنان إلى درجة يصبح معها سلوكا يوميا – على الرغم من أنه لا يكون دائما بحدة قصوى- لكنه يقوض إمكانيات تطوير نوعية العلاقات بين مكونات المؤسسة. فإذا كانت ممارسة العنف بمختلف أشكاله على المتعلم مرفوضة، فإن أغلب العاملين بالمؤسسات يشتكون سلوكات المتعلمين اللانضباطية و المنحرفة رغم وجود القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية، و مختلف المجالس التي إلى حد الآن هناك شبه إجماع على كونها عاجزة على ابتكار أساليب تربوية قادرة على التعامل مع الإشكالية(مجلس التدبير، المجلس التربوي، جمعيات الآباء).
نريد أن نشير أيضا إلى شكل آخر من العنف ، وتعاني منه على الخصوص، المؤسسات التعليمية التي تتواجد وسط أو بقرب الأحياء الشعبية، و مصدره مجموعات لا متمدرسة، معظمها يتعاطى أنواع مختلفة من المخدرات، إذ أحيانا ما تختلط عناصرها بالتلاميذ و تقتحم المؤسسات خاصة في فترات الخروج و الدخول، كما تتجمع بأبوابها؛ إن هذه المجموعات تكون مصدرا للفوضى و البلبلة، و إزعاج بحيث يكون من الصعب منعها من الاقتراب من أبواب المؤسسة أو الدخول إليها و إلا يكون مصير كل من حاول ذلك ،العنف أو القذف و الشتم. إن هذه الأمور تنتج مناخا من اللاأمن و هو ما يؤثر سلبا على سير الدراسة و على تأسيس جو تربوي يريح العاملين و المتعلمين، بل إن عدواه أحيانا ما تنتقل إلى المتعلم نفسه.
نعتقد إذن أن إشكالية العنف في شموليتها تحتاج إلى معالجة وفق تصور عملي، قابل للتنفيذ، يحدد و يضبط تدخلات و مسؤوليات كل المتدخلين التربويين من مواقع مختلفة و كذلك الآباء و مصالح أخرى .
5- التكوين المستمر- المناهج و البرامج – التأليف:
بالنسبة لهذا الجانب، فإنه يطرح السؤال التالي : هل يمكن " للإصلاح "أن يحقق ما حدده من أهداف بدون تهيىء وتأهيل مسبق للممارسين و المنفذين له على أرض الواقع أو على الأقل بموازاة مع تطبيقه ؟
لنعتبر على العموم إيجابيا ما جاء به " الإصلاح "من تغييرات على مستوى المناهج و البرامج و المقاربات البيداغوجية المتمثلة في : إغناء هذه البرامج و المناهج و ذلك بإضافة أجزاء مضامينية جديدة تواكب إلى حد ما التطور العلمي و التقني
بارتباط مع الإشكاليات العلمية المطروحة، و إعادة بناء هذه البرامج والمناهج وفق تصورات نسبيا جديدة و منتظمة في محاور أساسية،كما تم نقل وتحويل أجزاء منها من مستوى دراسي إلى آخر- في الغالب أدنى منه – ( كمثال : تحويل جزء الجيولوجيا التي كانت تدرس في مستوى الثامنة إعدادي إلى مستوى الأولى ثانوي إعدادي ، ونفس الشيء بالنسبة للثالثة ثانوي إعدادي مع الثانية لنفس السلك)؛ ثم هناك الانتقال من بيداغوجية الأهداف إلى المدخل بالكفايات والقيم. تم كل هذا في غياب وتغييب لأي شكل من أشكال التكوين المستمر لفائدة هيأة التدريس التي أوكل إليها تنفيد و تطبيق تلك البرامج و المناهج الجديدة
ما مصير كل التقارير التي طالبت وتطالب بتكوين في موضوع الكفايات ؟ إنه لو تم إحصاء، على مستوى تقارير مجالس التعليم، النقطة أو المطلب الأكثر ترددا لوجدنا أن التكوين المستمر يحطم رقما قياسيا
أين نحن من الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي يشير في مادته 136 إلى : ..."حصص سنوية قصيرة لتحسين الكفايات و الرفع من مستواها، مدتها ثلاثون ساعة يتم توزيعها بدقة " و يضيف: " تنظم دورات التكوين المستمر على أساس الأهداف .... وفي ضوء الدراسة التحليلية لحاجات الفئات المستهدفة و آراء الشركاء...الخ"؟؟
من جهة أخرى،و على الرغم مما يقال حول إيجابية تعدد الكتب المدرسية و دخول التأليف منطق "المنافسة الشريفة" فإن الأمر لم يزد إلا تعقيدا و ذلك من خلال : الاختلافات بين الفرق المؤلفة في فهم و تأويل المقاربة البيداغوجية بالكفايات، إذ أن بعضها يؤلف بناءا على صياغة كفايات و قدرات و أهداف و البعض الأخر يقتصر في التأليف على صياغة الكفايات و الأهداف، دون إبراز أو تحديد الترابطات بشكل واضح بينها – على الرغم من محاولات التفسير الواردة في الدلائل -؛ كما لم تستطع توضيح هل هناك اختلاف بين الأهداف التي تبني عليه المقاطع و الوحدات و تلك التي كانت تندرج في سياق بيداغوجيا الأهداف؟. أما على المستوى المعرفي أو المضاميني، فإن بعض المعارف و المعلومات تفوق المستوى الإدراكي للمتعلم بل تستعصي أحيانا حتى على المدرس نفسه و خاصة بالسلك الابتدائي و الثانوي الإعدادي.
نضيف من جهة أخرى، أن هذا التأليف اعتمد في أجزاء كبيرة منه إما على النقل و الترجمة الحرفية من الكتب الأجنبية – الفرنسية على الخصوص- أو المحلية دون أن تؤخذ بعين الاعتبار المعطيات المتعلقة بالمتعلم المغربي و بمستواه الثقافي-الاجتماعي و الإمكانيات المتوفرة بالمؤسسة التعليمية. و على الرغم من المجهودات التي يبدلها كل من المدرس و المؤطر التربوي فإن الممارسة وفق بيداغوجية الأهداف لا زالت هي السائدة. ليس هناك أية بوادر للتعلم الذاتي و تمكين المتعلم من موقعه الطبيعي في الممارسة البيداغوجية : أي احتلاله لمركز الفعل البيداغوجي-التكويني. إن الممارسة في أغلب الأحيان تأخذ شكل تلقين الكتاب المدرسي
6 – "الإصلاح" التربوي وجهاز التفتيش :
ليس قصدنا في التركيز على هذا الجهاز هو من باب الانتقاص أو التقليل من دور باقي المكونات و الفئات التعليمية من هيأة التدريس و الإدارة التربوية بل و حتى الشواش؛ و إنما ينبع من الموقع الحساس الذي يحتله ضمن المنظومة التربوية؛ هذا الموقع الذي يصطلح عليه في القاموس الفرنسي " La plaque tournante du système " أي الحلقة المركزية. فالوزارة تعتبر ه – في خطاباتها الرسمية – عينها التي بواسطتها ومن خلالها تستطيع النفاذ إلى واقع و تفاصيل الممارسة التربوية داخل الفصول والحياة المدرسية؛وإذا صدقنا هذا الوصف المجازي و الدال، لكن أي منطق سليم قد يقبل و يستوعب تعامل الذات مع عينها باللا مبالات و الإهمال؟ إنه و عندما يجيب الوزير عن سؤال يتعلق باحتجاج هذه الفئة – بعد ما استنفذت كل الأساليب التي توصف بالحضارية في المطالبة بما يسمح لها بأن تؤدي رسالتها على أحسن وجه - قائلا " إن الأمر يهم من دعا إلى هذا الاحتجاج" ؛ بالمعنى الصريح أنه لا تهمه هذه الفئة
إلى أي حد يمكن لمثل هذه التصريحات أن تساهم في ما يصطلح عليه بورش الإصلاح المفتوح؟ نعتقد أنه على العكس من ذلك، لاتؤسس إلا لسلوكات عدم التعاطي الإيجابي معه من طرف أغلب مكونات هذه الهيأة ، خاصة عندما ترى أن ما تطالب به من تعويض عن التنقل، و تعويض عن الإطارو تصفية بعض الملفات من قبيل ترقية من استوفى الشروط إلى غير ذلك؛ تجابه بالتماطل والوعود الشفوية ؛ في نفس الوقت يسود الشعور أن هناك تبذير لاعتمادات – لا يعلم بمقاديرها إلا المقربون-. ماذا حققت منتديات الإصلاح و كم هي الميزانيات التي صرفت فيها؟ و هل الوزارة تتوفر فقط على الاعتمادات التي تسمح بالترحال بين الأكاديميات لافتتاح مجالسها الإدارية؟ أين نحن من الوثيقة الإطار و أين تتجلى الاستقلالية الوظيفية على أرض الواقع؟ ماذا تكلف هذه الاستقلالية ، ثم من تزعجه، اليست الوزارة نفسها؟
في النهاية و باعتبار الاختلالات التي أشرنا إليها في العناصر أعلاه، فإنه إذا ما أردنا فعلا أن يكون"إصلاح" المنظومة التربوية إصلاحا جذريا، فلا بد من إعادة النظر في كل تلك المداخل في تكاملها و ترابطها؛ و إعادة الاعتبار تمر عبر الإنصات لمختلف العاملين و الفاعلين ميدانيا بالدرجة الأولى، ليس من باب الاستشارة كما هو الشأن حاليا حيث توضع أهم المقترحات و الآراء جانبا و تتخذ قرارات بشكل منفرد و ارتجالي، بل الإنصات على أساس الأخذ الفعلي و العملي لما هو نابع من واقع الممارسة التربوية التي لازالت لم تواكب إلى حد الآن أهم خلاصات الدراسات التربوية الحديثة على الرغم مما تورده الخطابات الرسمية، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فلا نعتقد أن التعامل مع احتجاجات مختلف الفئات – وهي إن كانت ذات مطالب فئوية فإنها جميعا تشكل كتلة لا يمكن "للإصلاح"أن يتحقق بدونها- باعتبارها تندرج في ما سمي ب"الرفاه السياسي" أو فيما سمي أيضا ب"الارتدادات الاجتماعية"، فهذا خطاب و تعامل لا يمكن أن يساهم في تأسيس وإرساء "إصلاح جذري" بقدر ما يؤخره.