بعض أهداف البيداغوجيا الفارقية:
تسعى البيداغوجيا الفارقية إلى تحقيق جملة من الأهداف والأساسيات عند المتعلم كما في الممارسة التعليمية التعلمية؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ تحقيق الاستقلال الذاتي للمتعلم مبادرة وقرارا وممارسة، من خلال وضع مؤهلاته وقدراته في الحسبان التعليمي، والانطلاق منها في تعلماته وأداءاته، مما يؤدي بالمتعلم إلى الثقة بالنفس، وإلى إبداء الرأي بحرية، والدفاع عنه عبر الحجاج، وإلى اتخاذ القرارات المناسبة اتجاه القضايا والإشكاليات التي تعترضه في التعلم أو تشكل موضوع تعلماته، وإلى إبداع المقاربات المناسبة لتناول تلك القضايا والإشكاليات.
فالبيداغوجيا الفارقية تمكن المتعلم في هذا السياق من التقويم الذاتي، الذي يسمح له بالتعرف على حقيقة إمكانياته الفكرية والأدائية والسلوكية.. والتعرف على ما تحقق لديه من الكفايات والقدرات والمهارات والمعارف.. وما لم يتحقق منها لديه، حيث يعمل في إطار التعلمات والمناشط الفارقية على تحقيقها والتمكن منها، كما تمكنه من تقدير المسؤولية وتحملها بكل موضوعية.
فهي بهذا ذات طابع تجديدي مستمر يمركز المتعلم مركز العملية التعليمية التعلمية، حيث توفر له ما يحتاجه من تعلمات وقيم ومهارات وقدرات وكفايات وسلوكات مناسبة لمعطياته المتنوعة، لينمو بصورة طبيعية نحو تحقيق ذاته واستقلاليتها عن طريق خبرته وتجربته الذاتية في التعلم.
2 ـ تحقيق التفاعل الاجتماعي والتواصل البيني في جماعة القسم انطلاقا من الطبيعة الاجتماعية للكائن البشري، بالإضافة إلى شروط وحاجيات الاجتماع الإنساني في المجتمع. فالبيداغوجيا الفارقية تسمح للمتعلم بالتفاعل مع أعضاء جماعة القسم، في إطار أداء التعلمات الموكولة إليه، بمعنى إنجاز المهمة التي أسندت إليه عنصرا في مجموعة من المتعلمين، حيث مهمته تلك تخول له الحق في إبداء الرأي والاستماع للرأي الآخر ولو كان مخالفا واحترامه وتقديره؛
فهي تحقق للجميع الإحساس بذواتهم المستقلة المتضامنة في الكل، والتعاطي الجماعي للتعلمات من منطلق تكامل المتعلمين في تحقيق الأهداف المتوخاة من التعلم. مما يسمح لهم بتطوير معارفهم ومكتسباتهم واجتماعيتهم.. من خلال المناقشة وإبداء الرأي وتقديم الطروحات المناسبة.
فهي من وجهة نظر علم التواصل تعد منبع التواصل بين أعضاء المجموعة، إذ تمكنهم من اكتشاف قواعد التواصل الاجتماعية والثقافية المبنية على اكتشاف أحاسيس الآخرين وأفكارهم والدخول معها في الحوار والنقاش والتقبل مع الانسجام وفق المشترك بينها دون التسلط والقهر بل في إطار الندية والتساوي في التعاطي معها.. فالمجموعة بطبيعتها الاجتماعية والتعليمية التعلمية هي ( فضاء لتعويد التلاميذ على اتخاذ القرار، وبالتالي فهي فضاء لتحمل المسؤولية وللترشد الذاتي، وبذلك تصبح منظومة قادرة على تفعيل القدرات الكامنة وعلى تعديها في آن ) .
والبيداغوجيا الفارقية منوط بها تحريك العلاقات الاجتماعية والتواصل بين أفراد جماعة القسم، لأنها ذات طابع تعاوني اجتماعي منفتح، تستفيد فيه من طبع المتعلم الاجتماعي، الذي هو في حاجة ماسة إلى التعاون والتشارك في بناء المعارف، وفي إنجاز الأداءات التعلمية من خلال التفاعل الفكري والمهاراتي والعلمي والعملي.. وبالتالي هذه البيداغوجيا هي بيداغوجيا اجتماعية تفاعلية.
3 ـ تفعيل العلاقة بين أطراف المثلث التعليمي ( الأستاذ، المتعلم، الموضوع ) انطلاقا من كون المتعلم ذات عارفة مرتبطة بطرفي الفعل التعليمي: الأستاذ والمادة المدرسة. فالعلاقة بين المتعلم والأستاذ تتميز في ظل هذه البيداغوجيا بخصوصية تقدير الأستاذ لذات المتعلم محورا لفعل التعليم، وتقدير المتعلم للأستاذ من منطلق أن هذا الأخير هو محرك فعل التعليم إلى فعل التعلم اتجاه المتعلم، وبذلك يدخل الاثنين في علاقة مشتركة تتوخى تحقيق التعليم والتعلم في أفق وظيفة المؤسسة التعليمية.
وهي تولد مجموعة من الروابط الروحية والعلاقات الإنسانية متشبعة بالانفعالات والأحاسيس المختلفة التي توطد تلك العلاقات أو توترها وتشنجها.
وأما العلاقة بين المتعلم ذاتا عارفة ومادة الدراسة موضوعا للتعلم، فتنحو إما نحو المسافة بين الذات والموضوع أو إما نحو الإسقاط والتفاعل بين الذات والموضوع. لكن في المدرسة الابتدائية كثيرا ما لا توجد تلك المسافة الفارقة بين الذات والموضوع كما هي في العلوم الطبيعية أو الحقة بقدر ما يوجد التلاحم بين ذات المتعلم والموضوع، في منحى فتح آفاق جديدة أمام الفهم، وأمام إجرائيته وإن عد هذا التلاحم عند بعض المفكرين عائقا معرفيا ينحو نحو إسقاط الذات على الموضوع.
والبيداغوجيا الفارقية تولد ذلك التلاحم من خلال خلق الموضوع المناسب للمتعلم المناسب وفق وتيرة التعلم الذاتية لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين. فهي بهذا تعد محركا رئيسا للمثلث التعليمي. وتضمن للمتعلم أن يدرك الموضوع بالقدر الذي يتحرك إليه ويطلق العنان والحرية لآلية الاندماج التلقائي بين الفعل والانفعال حسب ميرلو بونتي ( فالعالم ذو دلالة حركية بالنسبة للإنسان الطبيعي بينما يظل العالم ذا دلالة عقلية أو مجردة عندما يتتبع باهتمام وتأن بالغين صيرورة اندماج الفعل بالانفعال ) .
4 ـ تكييف التعلمات والمقاربات وفق الفروق الفردية بين المتعلمين، في المناحي العقلية والجسمية والقدرات والكفايات والميولات والرغبات والاستعدادات.. حتى تحقق مبدأ تكافؤ الفرص ودمقرطة الفعل التعليمي ومراعاة تعدد الذكاءات داخل جماعة القسم انطلاقا من عدم تجانسها، وخلق التنوع فيها بناء على تنوعها الأصلي المبني على مكتسبات المتعلم السابقة؛ ذلك أن " النمو يتوقف على تعلمات الطفل السابقة والتعلم يتوقف على مستوى النمو الذي وصل إليه الطفل" .
فالبيداغوجيا الفارقية تعمل على تحويل تكافؤ الفرص والدمقرطة إلى قيم اجتماعية وثقافية مدمجة في شخصية المتعلم ومكون من مكونات بنيته العقلية، لا يستسيغ دونهما في التعاطي مع التعلم أو مع الحياة ككل، ومن تم تحويلها إلى قيم متداولة وقابلة للتصريف في المجتمع كما في المؤسسة التعليمية.
5 ـ تحقيق الأداء التعلمي والكفايات والقدرات والمهارات والقيم والسلوكات المقررة بأقل جهد، وبأقل وقت، وبأقل تكلفة؛ حسب كل متعلم على حدة أو حسب مجموعة من المتعلمين ضمن إطار المرونة المنوعة الهادفة.
فالبيداغوجيا الفارقية في انطلاقها من الفروق الفردية تحقق الجهد والوقت والتكلفة الأقل، لأنها ترعي خصوصيات كل فرد أو مجموعة من الأفراد، وبذلك في بيداغوجيا هادفة دون هدر أو تخبط أو ضبابية.
اعتبارات فارقية:
إن البيداغوجيا الفارقية تعتمد فيما تعتمد على:
1 ـ تفاعل مكونات الفعل التعليمي التعلمي من جماعة القسم والأستاذ والمعرفة والمؤسسة التعليمية انطلاقا من أداء كل مكون وظيفته المنوطة به ضمن هذا الفعل.
2 ـ عدم تجانس جماعة القسم انطلاقا من طبيعة الاختلاف الحاصل فيها في المناحي المختلفة.
3 ـ عدم تكافؤ المدرسين في الأداء التعليمي انطلاقا من طبيعة الاختلاف النابع من التكوين الأساس، ومن التكوين الذاتي، ومن الانتماء السوسيوثقافي، والاقتصادي.. ومن الممارسة والتجربة والخبرة الميدانية..
4 ـ البرامج التعليمية للمؤسسة التعليمية الموضوعة سلفا وفق تصور فلسفي وسياسي واجتماعي وثقافي معين، يتوخى غايات وأهداف محددة ومقصودة لذاتها، معلبة في علب التعليم والتربية والتكوين، ملفوفة بالصالح العام، عمقها قد يتناقض مع سطحها..
5 ـ المؤسسة التعليمية بنية اجتماعية قابلة للتوظيف في التنشئة الاجتماعية ضمن رسمية وظيفتها التعليمية والتكوينية، بمعنى الاعتماد عليها في تصريف الشحنات التعليمية وفق الفروق الفردية لخلق نماذج معادة الإنتاج..
6 ـ تفييء جماعة القسم على الأقل في مجموعات متنوعة إن لم تأخذ البيداغوجيا بالتعليم التفريدي، وتخصيص كل فئة بتعلمات محددة ومعينة ومعدة حسب معطيات كل مجموعة على حدة..
7 ـ طرق تنشيط المجموعات الكبرى والصغرى، وعلى البرمجة الدقيقة للتعلمات المبنية على المكتسبات المعرفية والمهاراتية والأدائية السابقة اتجاه التعلمات الجديدة..
8 ـ الأستاذ منشطا وفاعلا في جماعة القسم، وقائدا لها، يمتاز بالتعاطي الجيد معها ضمن خلقه لمجال التفاعل والتواصل بين مكوناتها..