ونحن في خضم السنة السابعة من الإصلاح التعليمي الجديد، إلى أي حد يمكننا أن نقوم بتقييم شامل لهذا الإصلاح؟
من المعروف أن نتائج الإصلاح لا يمكنها أن تتجسد بشكل جلي إلا على المدى المتوسط والبعيد، وخصوصا على مستوى الفعالية والمردودية الخارجية. رغم ذلك سنحاول أن نقوم بتقييم نسبي لما هو ملاحظ على المستوى القريب، من منطلق انه لا يمكننا أن نتظر طويلا، وهناك مثلا اختلالات، تدعو بإلحاح إلى إصلاح الإصلاح، وتعزيز الايجابيات الميدانية، وحتى لا يصل الإصلاح معوقا إلى زمنه وأهدافه المرجوة، تاركا وراءه السلبيات والضحايا.
وعليه، سنحاول أن نقوم بتقييم أولي للإصلاح، راصدين الإنجازات والاختلالات (مركزين على التعليم الابتدائي الإعدادي والثانوي و التأهيلي إلى حد ما)، من خلال بعض المستويات التي استهدفها الإصلاح، وعلى الخصوص المستوى الإيديولوجي -القيمي، ومستوى نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، والمستوى البيداغوجي والبحث العلمي والتربوي، ومستوى الرفع من جودة التربية والتكوين، والمستوى التنظيمي و التدبيري، والمستوى المادي والتقني، المستوى البشري.
1- المستوى الإيديولوجي والقيمي:
من المعروف أن التربية والتعليم(المدرسة) جهاز من بين أجهزة الدولة الإيديولوجية، التي من خلالها يتم التحكم في هندسة المجتمع(السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية...)، سواء من أجل التغيير والتقدم أو المحافظة على الأوضاع القائمة والجمود وتكريس التخلف؛ وذلك في إنتاجها لللأطروالبنيات الفوقية ( معارف، قيم، علاقات...).
إذن، ما هي المنطلقات الإيديولوجية والقيمية للإصلاح؟وماهي تمظهراتها في منظومة التربية والتكوين؟
حاول الإصلاح الجديد أن يبني منظومة إيدو- قيمية جديدة و قديمة في نفس الوقت؛ فبالإضافة إلى ترسيخ بعض التوابت التقليدية والمحافظة والتي تدخل في باب المقدسات وثوابت الأمة، كالهوية الإسلامية والوطنية، والملكية...عمل أيضا على "تحديث"المدرسة/التعليم من خلا إدخال بعض القيم والمبادئ الحداثية، كالعلم والتكنولوجيات والإعلاميات والمساواة وتكافؤ الفرص و الديمقراطية وحقوق الإنسان والاختلاف والتسامح...أي ما يصطلح عليه بالتربية على التفكير العلمي، والتربية على القيم وحقوق الإنسان..
على المستوى التطبيقي نجح الإصلاح التعليمي، إلى حد ما، في إدماج هذه القيم على مستوى البرامج والكتب المدرسية، رغم هيمنة البعد الأخلاقي المجرد عليها إلى حد كبير، وعدم ربطها تحليليا ونقديا بالاختلالات المجتمعية التي يعرفها المغرب.ومن بين النقط السلبية التي يمكن أن نسجلها في هذا المستوى:عدم وضوح وانسجام المرجعية الإيديو-قيمية للإصلاح؛ فهل يعتمد المرجعية الرأسمالية الليبيرالية؟أم الدينية؟أم الاشتراكية؟أم الوطنية القومية؟ أم يعتمد على كشكول من الإيديولوجيات والقيم؟الذي يكاد يكون واضحا هو اعتماد المرجعية الدينية والمرجعية الرأسمالية،ومتفرقات من مرجعيات أخرى.ما جعل الإصلاح، نصا(الميثاق) وتطبيقا، يكون عرضة لعدة ثنائيات متناقضة، لم يستطيع الحسم فيها ومعها:التعريب/التغريب، التوحيد/التجزيء، التعميم/التخصيص، الحداثة/التقليد، النخبة/العامة، الفقراء/الأغنياء، المركز/الهامش، المركزية/الديمقراطية...
2- نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي
انطلق الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المجال الأول لتحقيق التعليم وربطه بالمجال الاقتصادي من ثلاث دعامات:
الأولى تتعلق بتعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب؛
والثانية، التربية النظامية ومحاربة الأمية،من خلال اعتماد اللامركزية والشراكة ودور الإعلام؛
والثالثة، تتعلق بالسعي إلى أكبر تلاؤم بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي،من خلا شبكات التربية والتكوين، وخلق ممرات بين التربية والتكوين والحياة العملية، وانفتاح المدرسة على محيطها وعلى الأفاق الإبداعية، والتمرس والتكوين بالتناوب، والتكوين المستمر.(الميثاق)
فيما يخص تعميم التعلم، حددت المادة28 من الميثاق الجدولة الزمنية لتعميم التعلم كما يلي: تحقيق نسبة
%100 في الدخول المدرسي لشتنبر2002 بالنسبة للأطفال البالغين من العمر 6 سنوات؛ تعميم التسجيل بالسنة الأولى من التعليم الأولي في أفق 2004؛ وسيصل التلاميذ المسجلون في السنة الأولى من التعليم الابتدائي في 1999-2000 إلى نهاية المدرسة الابتدائية بنسبة%90 سنة 2005، وإلى نهاية المدرسة الإعدادية بنسبة %80 سنة2008، وإلى نهاية التعليم الثانوي بنسبة%60 سنة2011، ونيل الباكالوريا بنسبة %40 في أفق20011.أما الأرقام المحققةإلى2005، وكما قدمها الحبيب المالكي:التلاميذ من فئة6-11 سنوات نسبة التعميم%93، والتلاميذ من فئة 12-14 وصلت نسبة التعميم%70.(المالكي، الإتحاد ش)
والملاحظ أن التعميم، وبالمقارنة مع السنوات السابقة على الإصلاح،حقق قفزات مهمة، رغم أن الإصلاح لم يف بمواعده الرقمية بالدقة والكيفية المسطرتين في الميثاق؛حيث،مثلا، لم يتحقق تعميم التعليم الأولي والابتدائي حتى الآن.
ومن الاختلالات التي يمكن تسجيلها فيما يخص التعميم وأرقامه، كونه يهتم فقط بالتسجيلات عند الولوج وغير مبال بنسب الاحتفاظ على الأقل خلال مدة الإلزامية.حيث نسب الهدر والتسرب تزداد استفحالا؛و نلاحظ كذلك الاهتمام الكبير بالكم العددي وذلك على حساب جودة التعلم والتعليم(الاكتظاظ،الأقسام المشتركة،ضعف التجهيزات وفضاءات الاستقبال وعدم كفاية الأطر...)؛ كما نلاحظ أنه"من جهة، هناك نمو ديمغرافي يعد من الأكثر ارتفاعا في العالم...ومن جهة أخرى، هناك عجز الدولة على إنفاق إضافي(وكافي)
على التعليم، وبالتالي عدم قدرتها على الاستجابة الكاملة لطلبات التمدرس المتزايد."(وافي، 2005، ص46).ولهذا، ربما، نجد عدم التطبيق الجدي لإلزامية التعليم ولوجا واحتفاظا.
كما نجد أن الدولة بدلت مجهودات لا بأس بها فيما يخص محاربة الأمية والتعليم غير النظامي ،حيث،مثلا،بلغت أعداد المنتسبين إلى التربية غير النظامية من سنة97/98 إلى2000/2001 إلى 87230 مستفيد.(وافي، 2005 ص91).وقد قلصت نسبة الأمية حسب بعض الإحصائيات الرسمية إلى أقل من%50.أما مسألة ملاءمة النظام التربوي والمحيط الاقتصادي فلا يزال يلفها الغموض وعدم الفعالية!فلا نعلم بالضبط أين توجد هذه الملاءمة في البرامج والمناهج التعليمية؟! ويسجل في مدارسنا غياب البعد التطبيقي والتجريبي العلمي الذي يمكن أن يستثمر مستقبلا في المحيط الاقتصادي؛ فأين هي جودة وعدد المختبرات والمعامل، وإن كانت توجد أصلا، في مدارسنا؟أين وصل خلق شبكات التربية والتكوين والممرات بين التربية والتكوين والحياة العملية، والتمرس والتكوين بالتناوب...؟ونسجل الانفتاح التدريجي للمدرسة على الآفاق الإبداعية، من خلال الحياة المدرسية وبعض المهرجانات والأنشطة المدرسية المحلية والوطنية، وإن كانت غير كافية كما وكيفا........يتبع